تم بتاريخ 25/01/2023 تنظيم يوم دراسي بمقر مجلس قضاء تيسمسيلت بالاشتراك مع المكتب المحلي للاتحاد الوطني للخبراء القضائيين و تحت اشراف السيدين الرئيس والنائب العام حول موضوع "الخبرة القضائية في القانون الجزائري" بمشاركة كل من الســــادة :
- والــي ولايـــــة تيــــسمسيلـــــــت.
- السلطــات الأمنيــــة والعسكريـــة.
- الرئيس ومحافظ الدولة لدى المحكمة الإدارية تيسمسيلت.
- رئيـــس لجنـــــة التكويــــن الوطنــــــي للخبراء القضائيين.
- الســـادة قضــــــاة المجلـــــس والمحاكــــم التابعـــــة لـــــه.
- رؤســـاء أمانــات الضبط التابعين لدائرة الاختصاص.
- منـــدوب نقيـــب المحاميــــــن ناحيــــــة تيـــــــــارت.
- منســق المحضــــريــن القـــــضــــــائييــن.
- منســق الخـــبــــراء القــضــائييــن.
- مسؤولــــــي القطاعــات التابعــــــة للمصالح الولائية.
- رؤســـاء المجالـس الشعبيـــــــة البلديــة.
- الخبــراء القضائييــــن.
- أســرة الإعــلام المرئيــــة، المسموعة، والمكتوبـة.
وبعد الترحيب بالسادة الحضور من طرف السيدين الرئيس والنائب العام لدى المجلس القضائي وإلقاء الكلمة من طرفهما تم توجيه الكلمة إلى السيد والي الولاية الذي بدوره ألقى كلمته بهذه المناسبة، وتم على الساعة التاسعة والنصف صباحا افتتاح أشغال اليوم الدراسي والذي قسمت أشغاله إلى ثلاثة محاور رئيسية تضمنت مايلـــــي:
- المداخلة الأولى: تحت عنوان " الخبرة القضائية"، ألقيت من طرف السيد بنت الخوخ مصطفى رئيس محكمة برج بونعامة.
- المداخلة الثانية: تحت عنوان " الخبير القضائي في ضوء القانون الجزائري "، ألقيت من طرف السيد نجاح ربيع خبير قضائي.
- المداخلة الثالثة: تحت عنوان " الخبرة القضائية بين مهام محددة ومستجدات غير متوقعة "، ألقيت من طرف السيد برقاد محمد خبير قضائي.
مداخلة السيد بنت الخوخ مصطفى رئيس محكمة برج بونعامة حول " الخبرة القضائية في القانون الجزائري "
المقدمـــــــــــــــــــــــــــــــة :
إن التطور الإنساني وما لحقه من إنجازات مختلفة في جميع الميادين العلمية وما آلت إليه وحققته من إختراعات حديثة ، أدى إلى تشابك مصالح الأفراد وتضاربها تجاريا، إجتماعيا إقتصاديا،الشئ الذي أدى إلى تطورطبيعة النزاعات المعروضة على القضاء كنتيجة حتمية لذلك.
ولما كان العدل أساسا منوطا بجهاز القضاء الذي هو رسالة نبيلة تسهر الدول على إرساء دعائمها . ومن ثمة فإذا إعترضت القاضي أثناء فصله في الدعوى مسائل ذات طبيعة فنية تقنية أو علمية خارجة عن إختصاصه أو مداركه فقد أجازت له مختلف التشريعات المقارنة الإستعانة بأهل الفن والصنعة والخبرة ممن يتميزون بالإستقامة والعلم والمعرفة .
فالخبرة القضائية وسيلة من وسائل الإثبات وإجراء من إجراءات التحقيق التي يأمر بها القاضي فلها قواعدها وفنياتها وخصوصياتها التي لابد من تعلمها وتطويرها والإهتمام بها ولذلك إعتنى المشرع الجزائري كغيره من المشرعين بهذا الموضوع ونظمها في ا قانون الإجراءات المدنية و الادارية وكذا في قانون الإجراءات الجزائية وفي المادة 86 من قانون الإجراءات الجبائية ، وأيضا حدد تنظيم مهنة الخبير القضائي بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم 95/310 المؤرخ في: 10/10/1995.
في هذا الإطار فإن هذا الموضوع يطرح عدة تساؤلات تتمثل في ماهية الخبرة القضائية ، ومن هم الخبراء المعتمدين لدى المحاكم والمجالس ؟وماهي الحالات التي يجب إجراء خبرة قضائية ؟ وماهي إجراءاتها ؟ وهل هي ملزمة للقاضي ؟وللإجابة عن هذه التساؤلات إتبعنا الخطة التالية :
الخطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة :
مقدمـــــة
المبحث الأول: ماهية الخبرة القضائية و خصائصها
المطلب الأول: مفهوم الخبرة القضائية .
المطلب الثاني :خصائص الخبرة القضائية وتصنيف الخبراء
المبحث الثاني : إجراءات الخبرة القضائية
المطلب الأول : تعييـن الخبير القضائي و رده تنحيته و استبداله :
المطلب الثاني : تقرير الخبرة ومناقشتـــه :
المبحث الثالث: صور الخبرة القضائية
المطلب الاول: الخبرة القضائية في المواد الجزائية
المطلب الثاني : الخبرة القضائية في المواد المدنية
المطلب الثالث: الخبرة القضائية في المواد الإدارية
خـــــــاتمة.
المبحث الأول : مـــاهية الخبـــرة القضائيــــــة و خصائصها
تعتبر الخبرة القضائية وسيلة من وسائل الإثبات وإجراء من إجراءات التحقيق التي يأمر بها القاضي للفصل في مسألة من المسائل ذات طابع فني خاص ليس بمقدوره الإلمام بها لكونها مسألة تقنية فنية كالمحاسبة والهندسة والطب … إلخ ، لذلك يحتاج القاضي إلى من ينوره ويساعده في فهم هذه المسائل ولهذا أجاز القانون للقضاة الإستعانة بالخبراء وذوي الكفاءات والتقنيات العالية وكل من له دراية ومعرفة في علم من العلوم المختلفة وهذا لتبيان وإيضاح اللبس وتقديم المعلومات الضرورية الخاصة والتي لايأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية لها وهذا للفصل في مثل هذه النزاعات ، وإيجاد الحل الأنسب والأدق المبني على أسس علمية سليمة.
المطلب الأول : مفهوم الخبرة القضائية :
تعتبر الخبرة القضائية من طرق الإثبات المباشرة وذلك نظرا لإتصالها بالواقعة المراد إثباتها ، فأصبحت اكثر من ذي قبل تفرض نفسها بكل قوة .
الفرع الأول : تعريف الخبرة القضائية:
إن الخبرة القضائية هي وسيلة من وسائل الإثبات يتم اللجوء إليها إذا إقتضى الأمر كشف دليل وتعزيز أدلة قائمة ، كما أنها إستشارة فنية يستعين بها القاضي أو المحقق في مجال الإثبات لمساعدته في تقدير المسائل الفنية التي يحتاج تقديرها إلى دراية علمية لا تتوافر لدى عضو السلطة القضائية المختص بحكم عمله وثقافته
الفرع الثاني : تصنيف الخبراء :
ينقسم الخبراء وفقا للجهة التي قامت بندبهم إلى خبراء منتدبين وخبراء إستثنائيين .
أولا : الخبير المنتدب: هو ذلك الخبير الذي يختار عادة من جدول الخبراء العاملين لدى المحاكم وهو يعين من طرف القاضي للقيام بأعمال فنية من أجل الإستعانة بتقاريرهم للوصول إلى الحقيقة، والخبراء يختلفون وفقا لتخصصاتهم فنجد خبراء البصمات وخبراء الطب الشرعي والفنيون وكذا العاملون في المعمل الجنائي وغيرهم من الخبراء .
ثانيـا :الخبير الإستثنائي : وهو شخص متخصص في مجال من المجالات الفنيــــة غير مقيد في جدول الخبراء المعتمدين يقوم بإنتدابه في مسألة محددة فقط ، وأنه يتعين لقبوله أن يحلف اليمين القانونية أمام الجهة القضائية أو القاضي الذي عينه بأن يقوم بأداء المهمة الموكولة إليه بالدقة والأمانة
المطلب الثاني : خصائص الخبرة القضائية
الخبرة القضائية بإعتبارها وسيلة من وسائل الإثبات الفنية تتميز بمجموعة من الخصائص تحدد مفهومها وتميزها عن غيرها من المفاهيم المشابهة لها كالتحقيق والمعاينة .
1/ الصفة الفنية للخبرة القضائية :
إن الهدف من الخبرة هو تنوير القاضي بشأن مشاكل واقعية أومادية تحتاج إلى تحقيقات معمقة ويتطلب تخصص معين من قبل مهني أو فني، ولذلك يقتصر مجال الخبرة القضائية على المسائل الفنية الخالصة ، فالمحكمة لاتلتزم باللجوء إلى أهل الخبرة ، إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة ويقصد بهذه المسائل تلك التي تتطلب معرفة أو دراية خاصة من الناحية العلمية أو الفنية
2/ الصفة الإجرائية للخبرة القضائية :
إن الخبرة القضائية هي بمثابة تدبير من تدابير التحقيق أو وسيلة من وسائل التحري .وأن ما تتوصل إليه يعد عنصرا من عناصر الإثبات ولعل هذه النظرية يعتمدها المشرع الإداري وخاصة قانون الإجراءات الجبائية والتي تقضي المادة 85-1 منه بأن: إن إجراءات التحقيق الخاصة الوحيدة التي يجوز الأخذ بها في مجال الضرائب المباشرة والرسوم على رقم الأعمال هي التحقيق الإضافي ومراجعة التحقيق والخبرة ".
3/ الصفة الإختيارية للخبرة القضائية .
إن المحكمة هي التي تقدر مدى ضرورة الإستعانة بخبير وهي تملك السلطة المطلقة في ندب الخبراء سواء من تلقاء نفسها أو إستجابة لطلب الخصوم وذلك بتقديرها للأسباب ولا معقب عليها في ذلك فقد ترى في عناصر النزاع والأوراق المقدمة ما يكفي لتكوين قناعتها فترفض ندب خبير حتى ولو قدم الخصوم طلبا بذلك ، ويجب أن يكون الحكم الصادر بندب الخبير أو برفضه مسبا من طرف القاضي .
4/ الصفة التبعية للخبرة القضائية :
تفترض الخبرة القضائية وجود نزاع قائم ، حيث تمثل هذه الخيرة وسيلة إثبات تساعد في حسم النزاع ويرفض القضاء أن تكون الخبرة مستقلة عن أي نزاع لأن طلب الخبرة هو من إجراءات الإثبات التي يلجأ إليها الخصوم أو القاضي بصدد دعوى قائمة بالفعل ، ومع ذلك فقد أجيز اللجوء إلى الخبرة بصفة أصلية كإستثناء في الدعاوي الإستعجالية التي يجب أن تتوافر بشأنها صفة الإستعجال ، فيجوز لقاضي الأمور المستعجلة ندب خبير للإنتقال والمعاينة وسماع الشهود لإثبات حالة يخشى من ضياع معالمها .
المبحث الثاني : إجراءات الخبرة القضائيـة
إن تشابك مصالح الأفراد وتضاربها في مختلف الميادين التجارية والإقتصادية والإجتماعية أدى بالضرورة إلى إزدياد الخبرة كأدلة فعالة يستعين بها القضاء ، وذلك لإسهامها في تحقيق العدالة وإستعانة القاضي بالخبراء ليس حكرا على نوع معين من القضايا، فقد أضحت لها الأهمية البالغة وذلك في المسائل المدنية الجزائية على حد السواء ، فاللجوء إلى أهل المعرفة وعدم حكم القضاة بعلمهم فيها وخصوصا إذا كان الفصل يستدعي التأكد من أمور ذات خصوصية يستدعي معرفة فنية أو علمية ، ولقد حدد المشرع بعض الحالات التي تستدعي الرجوع إلى الخبير فهذه الحالات وغيرها يمكن للمحكمة أن تأمر بإجراء خبرة سواء من تلقاء نفسها أو بطلب من الخصوم بواسطة خبير أو عدة خبراء ، وحتى نتمكن من معرفة كل المراحل والإجراءات التي تمر بها الخبرة القضائية منذ صدور الحكم بندب الخبير إلى غاية مناقشة التقرير الذي يعده الخبراء نهاية إلى تلقي الخبير لأتعابه ، ولذلك سنحاول التطرق إلى هذه المراحل وفق المراحل التالية :
المطلب الأول : تعييـن الخبير القضائي و رده تنحيته و استبداله :
للقاضي سلطة الإلتجاء إلى أهل المعرفة والخبرة الفنية إذ عرضت عليه أثناء فصله في الدعاوي نقاط أو مسائل فنية تحتاج إلى إختصاص ، فيلجأ إلى الخبراء للإستدلال برأيهم في فهمها ويكون ندب الخبير كلما إستدعت الظروف سواء من تلقاء نفس المحكمة أو بناء على طلب أحد أطراف الخصومة أو بناء على إتفاقهم .
1/ سلطة تعيين الخبير القضائي :
بما أن الإستعانة بالخبرة هي أمر متروك تقديره للمحكمة التي تنظر موضوع النزاع، فإنه يجوز للمحكمة أن تلجأ إلى ندب الخبير من تلقاء نفسهاأوبناءعلى طلب أحد الخصوم " المادة 126 من قانون الاجراءات المدنية و الادارية " ولكن هناك بعض الأمور التي تكون الإستعانة بالخبرة فيها أمر وجوبي لأنه يستحيل على القاضي أن يحكم فيها بثقافته الخاصة ، ويمكن أن يتم إختيار هذا الخبير أو الخبراء المقيدين في الجدول المعتمدين أو بصفة إستثنائية وبأمر مسبب تعيين خبراء غير مقيدين في الجدول يؤدون اليمين أثناء سير الدعوى فقط .
أ /طلب تعيين خبير قضائي :
سبق القول بجواز أمر المحكمة بإجراء خبرة قضائية في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ويكون تعيين الخبير من طرف المحكمة بناء على طلب الخصوم أو بأمر من القاضي من تلقاء نفسه ويشترط في طلب الخصوم بندب خبير أن يكون منتجا في الواقعة المنسوبة للقاضي
ويستفاد مما سلف أن تعيين الخبير يكون :
- إما بناء على إقتناع المحكمة بوجوب إجراء خبرة قضائية وذلك لتوضيح بعض النقاط الفنية الغامضة في الدعوى .
- أو بناء على طلب الخصوم أو إتفاقهم غالبا ما يكون الطلب من أحد الخصوم وأحيانا أخرى بإتفاقهم .
- ويجب أن يحتوي طلب ندب الخبير العناصر والشروط التالية :
- أن يكون طلب تعيين الخبير المقدم للمحكمة واضحا وصريحا .
أن يذكر في الطلب الأسباب التي تدعو إلى إجراء الخبرة القضائية .
أن يذكر في الطلب جميع النقاط التقنية التي يجب أن تشملها الخبرة ومدى جدواها في حسم النزاع .
أن يكون الطلب جديا الغرض منه تنوير المحكمة .
ويقدم طلب ندب الخبير أحد الخصوم سواء في دعوى جارية أمام القضاء أو بصفة مستقلة لإثبات حالة معينة وذلك أمام المحكمة المطروح عليها النزاع .
ب /سلطة المحكمة في الإستجابة لطلب الخصوم في تعيين الخبير :
الأصل العام هو عدم إلزام المحكمة بإجابة طلب تعيين الخبير ، لكن هناك حالات كثيرة لايمكن فيها للمحكمة أن تستغني عن الخبرة ، بل يتحتم إجراء الخبرة للفصل في الدعوى المطروحة أمامها طبقا لأحكام القانون
والحالات التي تكون فيها المحكمة مرغمة على إجراء خبرة كثيرة ومتنوعة ، إلا أنها تقسم وفق الحالات التالية :
أولا : إذا نص القانون صراحة على وجوب تعيين خبير :
هناك العديد من الحالات وردت في نصوص قانونية مختلفة قد ألزمت المحكمة فيها قانونا بإجراء خبرة لحسم النزاع المعروض عليها بطريقة موضوعية وعلمية ، وليست للمحكمة الخيار في ذلك أصلا، ولا يمكن الإحاطة بجميع هذه الحالات، إلا أننا نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
حالة تعويض الإخلاء المنصوص عليها بالمادة 194 من القانون التجاري
حالة قسمة المال الشائع بين الشركاء المنصوص عليها بنص المادة 754 من القانون المدني.
حالة إذا بيع العقار بغبن يزيد عن الخمس وهي الحالة التي نصت عليها المادة 358 من القانون المدني .
حالة الفصل في المنازعات الضريبية وهذا ما نصت عليها المادة 86/01 من قانون الإجراءات الجبائية الحالات الخاصة بالتعويض عن الأضرار الجسمانية والمادية
حالة الحجر وهذا ما نصت عليه المادة 103 من قانون الأسرة .
حالة إثبات النسب وفقا للمادة 40 من قانون الأسرة " يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب . "
حالة سياقة في حالة سكر أو تناول مخدرات
ثانيا : القضايا التي لايمكن الفصل فيها دون خبرة :
هناك القضايا من نوع آخر يطرح للفصل فيه ولم ينص القانون على إلزام المحكمة بالإستجابة لطلب ندب الخبير صراحة لكن يفهم ضمنها الإستعانة بأهل الخبرة فيها واجب وهذه القضايا موجودة في مختلف فروع القانون نذكر منها على سبيل المثال ما يلي :
حالة عقم الزوجة أو الزوج .
حالة طلب الزوجة التطليق للعيب المستحكم في الزوج .
حالة الجنون والسفـه .
حالة الإختلاف على وجود أو عدم وجود غشاء البكارة ليلة الدخول إذا كانت شرطا واردا في عقد الزواج .
حالة حوادث الشغل .
حالة التعويض الإستحقاقي .
حالة الإعتداء على الملكية العقارية
حالة تعيين خبير في المحاسبة للقيام بتصفية حسابات الشركة .
ثالثا : إذا تعلق الأمر بالمسائل التالية :
إذا تعلق الأمر بمسائل فنية بحتة تستدعي تدخل أهل الإختصاص والمعرفة .
إذا تعلق الأمر بدفع جوهري كمن يدعي تعرض منزله لأضرار معتبرة من جراء المياه المتسربة إليه من قنوات صرف مياه المدعى عليه وبسببها وإنكار هذا الأخير طلبات المدعى ومزاعمه ، فهي الوسيلة الوحيدة لإثبات دفاعه.
2/رد الخبير وتنحيه وإستبداله :
2- أ /رد الخبير : تنص المادة 133 من ق ا م إ على أنه :" على الخصم الذي يرغب في رد الخبير الذي عينته المحكمة من تلقاء نفسها أن يقدم طلب الرد خلال ثمانية أيام تسري من تاريخ تبليغه بهذا التعيين ويكون الطلب موقعا منه أو من وكيله ، ويتضمن أسباب الرد ويفصل في طلب الرد دون تأخير .
ولايقبل الرد إلا إذا كان مبنيا على سبب قرابة درجة رابعة أو على سبب جدي او قرابة شخصية ."
2- ب / حق الخبير في التنحي عن مباشرة المهمة :
هو يفهم ضمنيا من نص المادة 132 من قنون الاجراءات المدنية و الادارية " بقولها اذا رفض الخبير " فيمكنه التنحي لاسباب صحية او شخصية او ظروف يراها هو تحول دون امكانية قيامه بمهامه .
2- ج / إستبــــــدال الخبيـــر :
لقد نصت المادة 132 من نفس القانون على امكانية إستبدال الخبير
ويقابل هذا النص المادة 86-5 من قانون الضرائب المباشرة بقولها :" في حالة ما إذا رفض خبير المهمة المسندة إليه أو لم يؤديها يعين خبيرا آخر بدلا منه ."
ومن خلال هاتين المادتين فإنه يتضح لنا أنه يجوز للخصم الذي يهمه الأمر تقديم طلب إستبدال الخبير بغيره وذلك إذا توافرت إحدى الحالات التالية :
- إذا رفض الخبير القيام بالمهمة الموكلـة إليــه .
- إذا قبل الخبير المهمة ثم لم يقم بها أو لم ينجزها في المهلة المحددة لها .
- إذا حصل للخبير مانع من الموانع وهي حالات كثيرة ، بحيث يصبح من غير الممكن قيامه بإنجاز العمل المسند إليه ، كالوفاة أو الشطب إسمه من قائمة الخبراء بعد تعيينه أو إعتقاله … ..الخ .
المطلب الثاني : تقرير الخبرة ومناقشتـــه :
متى أنجز الخبيرمهمته تعين عليه أن يقدم تقريرا يضمنه نتائج أعماله وأن يقوم بتوضيح الأوجه التي إستند إليها في تبرير رأيه بدقة ، ثم يقوم بإيداعها مرفقة بجميع الوثائق المسلمة إليه إلى امانة ضبط المحكمة وهذا لمناقشتها والحكم فيها فيما بعد ، ومن حق الخبير أن يتلقى مقابل القيام بأعماله بدلا نقديا عنها يحدده القاضي ويحدد من يلزم بدفعه .
1/ مناقشة التقرير وقوته في الإثبات :
يعتبر تقرير الخبير دليلا من أدلة الإثبات فيصبح لمن قدم التقرير لمصلحته أن يحتج به لإثبات إدعائه أو دفاعه ، فله أن يتمسك بكافة الحجج والأسانيد التي بني عليها الخبير تقريره ومن حق الخصوم الآخرين الدفع ببطلان عمل الخبير ، إذ شابه عيب شكلي لإهدار قيمته في الإثبات ، كما لهم مناقشة وإظهار وجه الخطأ في البيانات التي أوردها الخبير في تقريره أو محاضر أعماله ودحض الحجج والأسانيد التي بني عليها التقرير ويجوز له أن يطلب من المحكمة إستدعاء الخبير لمناقشته.
1- أ مناقشـــــة التقريــــــــر :
متى أنجز الخبيرالمهمة المكلف بها وجب عليه تقديم تقريرا مؤرخا وموقعا منه إلى امانة ضبط المحكمة التي عينته ، ووضع تقرير الخبرة لدى المحكمة يعد بمثابة نهاية لمهمة الخبير، فلا يمكنه تقديم أي تقرير آخر تكميلي أو إضافي مالم تأمر المحكمة بذلك ، غير أنه يجوز عند الإقتضاء وذلك بعد الإتصال بالمحكمة وأخذ موافقتها أن يقوم بتصحيح بعض الأخطاء المادية التي وقعت في التقرير أو بعض الإغفالات والتي لاتؤثر في التقرير من حيث الجوهر وإرفاق وثائق أو معلومات إستقاها الخبير بعد وضع التقرير.
كما يجب التنويه إلى أن تقرير الخبرة له طابع السرية إذ يجب أن يحتفظ به على أصول الأحكام لدى المحاكم ولايجوز أن يطلع عليه إلا الخصوم أو محاميهم .
وتفاديا لمناقشة تقائص الخبرة أمام جهات الحكم في جلسة علنية فقد أوجب المشرع وفي المادة 154قانون الاجراءات جزائية أن على قاضي التحقيق أن يستدعي من يعنيهم الأمر من أطراف الخصومة ويحيطهم علما بما إنتهى إليه الخبراء من نتائج ، ويتلقى أقوالهم بشأنها ويحدد لهم أجلا لإبداء ملاحظاتهم عنها أو تقديم طلبات خلاله ولاسيما فيما يخص إجراء أعمال خبرة تكميلية أو القيام بخبرة ثانية .
إذا فمناقشة تقرير الخبرة تستدعي إبلاغ الأطراف بمضمونها حتى يتسنى لهم إبداء ملاحظاتهم وأن يتمسكوا بالبطلان إذا رأو وان الخبرة قد شابها عيب من عيوب الإبطال، كما أنه للمحكمة مناقشة الخبرة وذلك بإستدعاء الخبير أمامها للحصول منه على التوضيحات والمعلومات الضرورية ولها آن تسأله عن كل غموض أو لبس وللمحكمة أن تحكم بتعيين خبير آخر لإبداء رأيه شفاهة في الجلسة وتقوم المحكمة بذلك من تلقاء نفسها وإما بناء على طلب أحد الخصوم .
1- ب : قــوة التقرير في الإثبــات وسلطة المحكمة تجاهــه:
بعد مناقشة الخبرة فإن للمحكمة الحكم على تقرير الخبير ، ولكن على القاضي قبل الحكم القيام بدراسة الخبرة دراسة وافية ومعمقة وما جاء به الخصوم من دفوع بشأن الخبرة والرد على التقرير كما يجب أن تشمل دراسته جميع الجوانب الشكلية والموضوعية من التقرير المقدم وكذا الإنتقادات الموجهة إليه من الخصوم .
و هنا القاضي يكون امام احد الاختيارات :
- إذا إقتنع القاضي برأي الخبير وبالنتائج التي خلص إليها في تقريره ورأت المحكمة أنه مناسب ومتناسق مع بعضه وأجاب على جميع الأسئلة المطروحة عليه أن يتبنى رأي الخبير لأن القاضي هو صاحب الرأي الأول والأخير في الدعوى ، ورأي الخبير لايعد وأن يكون رأيا إستشاريا .
للمحكمة إذا رأت نقصا في التقرير فإنه على القاضي أن يستدعي الخبير للمناقشة أو أن تعيد المهمة للخبير كي يرد على النقص الموجه إلى تقريره وذلك بإستكمال الغموض واللبس والنقص الموجود فيه .
- كما للمحكمة أن تصادق على الخبرة جزئيا وهذا أيضا يوجب عليها أن تعلل حكمها ويجب أن أن يكون ذلك صراحة لاغموض فيها ولا لبس فيه .
- للمحكمة رفض الخبرة بصفة كلية إذا رأت وجود عيب فيها أو نقص فادح ولذلك يأمر القاضي بإعادة خبرة ثانية .
- فسلطة المحكمة في تقدير رأي الخبير واسعة وهذا ما تضمنته المادة 144من قانون الإجراءات المدنية و الادارية بقولها " …والقاضي غير ملزم برأي الخبير . "
1-ج/ : تقدير أتعاب الخبراء :
عند إنتهاء الخبير مهمته ، وبعد أن تتم مناقشتها والحكم فيها فإن له ا لحق في إستيفاء مقابل ذلك لأن الخبير قام بعمل معين بمقتضى حكم قضائي إستحق أتعابا نتيجة لذلك العمل وقد نظم المشرع الجزائري تقدير الأتعاب وتقادمها في قانون الاجراءات المدنية و الادارية وكذا الأمر 66-224 المؤرخ في: 22 جويلية 1966 المتضمن المصاريف القضائية المعدل بالأمر 69-07 المؤرخ في: 18 سبتمبر 1969 وكذا المادة 310 من القانون المدني إلى جانب قانون الضرائب المباشرة والذي يحدد ترتيبات ترسم بموجبها الأوضاع التي يتعين وفقها إنجاز وتقديم كشف المصاريف (م 86-9 من قانون الإجراءات الجبائية ).
كيفيــــة تقديـــر أتعــاب الخبــــراء :
بعد إنتهاء الخبير من مهمته يقدم تقريره إلى المحكمة مرفقا إياه بمذكرة فيها أتعابه تتضمن بيانا يشمل على عدد أيام العمل والساعات التي قضاها في إنجاز عمله وأيضا عدد الإنتقالات التي قام بها إلى محل النزاع أومحل الخبرة .
ولايمكن كمبدأ عام للمحكمة أن تسلم الخبير المبلغ الذي قدره في مذكرة أتعابه بصفة إجمالية دون تفصيل لتلك الأتعاب ويتوجب مراجعة المبلغ ، آخذا بعين الإعتبار المجهودات التي قام بها وما تقتضيه طبيعة المهمة ، كما يجب على المحكمة التي سبق لها وأن أمرت للخبير بمبلغ مسبق من أتعابه أن تراعي ذلك وتحكم بالمبالغ المتبقية له في ذمة الخصوم وذلك في نفس الحكم إذ أمكن تقدير تلك الأتعاب كي يتسنى للخبير عند الحاجة تنفيذ الحكم وإستيفاء أتعابه الباقية في ذمة من حكم عليه بها
حيث أن أتعاب الخبير يؤشر على النسخة من الأمر الصادر بتقديرها بالصيغة التنفيذية بمعرفة امين الضبط ، بينما إذا تعذر تحديدها فعندئذ يكون بموجب أمر من القاضي ويرفق بمستندات الدعوى وذلك بناءا على طلب الخبير لتقدير أتعابه ومصاريفه .
ويلزم بأتعاب الخبير كقاعدة عامة الطرف الذي طلب الخبرة في أول الأمر ، ثم يتولى دفعها الخصم الذي خسر الدعوى ، وكذلك على الخصم الذي قضت المحكمة بإلزامه بمصروفات الدعوى .
جـزاء تسلم الخبيـر أتعابـه من الخصــوم مباشرة :
لقد منع القانون الخبير من تسلم أي مبلغ مهما كان مباشرة من يد أحد الخصوم وبأي صفة كانت وذلك بموجب المادة 140 من قانون الاجراءات المدنية و الادارية و الا ترتب عليه شطبه من سجل الخبراء و بطلان الخبرة
المبحث الثالث : صور الخبرة القضائيــة
إن تنوع وتضارب مصالح الأفراد وذلك في مختلف الميادين سواء التجارية أو الإقتصادية أو الإجتماعية جعلت ضرورة اللجوء إلى الخبرة كوسيلة إثبات يستعين بها القضاء ضرورة حتمية وهذا لإسهامها في تحقيق العدالة ، فإذا عرضت على القاضي أثناء تأديته لوظيفته القضائية مسائل غامضة تحتاج لشرح أو توضيح من ذي إختصاص علمي أو فني في ميدان العمران أو الطب أو المحاسبة أو غيرها من الإختصاصات المختلفة الكثيرة والتي لايستطيع القاضي الإلمام بها لخروجها عن تكوينه القانوني ، ففي هذه الحالة أجاز القانون للقاضي الإستعانة بمن لهم الإختصاص المطلوب . ولعل مجال الخبرة متنوع في العديد من المجالات إلا اننا سنقتصر دراستنا على بعض الخبرات ذات الأهمية والمتداولة بكثرة في الحياة العملية مع إبراز دورها في المساهمة في تحقيق العدالة ومساعدة القضاء على الوصول إلى الحقيفة وذلك على النحـو التالي :
vالخبرة القضائية في الطب الشرعــــــــي .
vالخبرة القضائية في التزويـــــــــــــــــــر .
vالخبرة القضائية في النزاعــات العقارية.
vالخبرة القضائية في الأضرار المادية لحوادث المرور .
vالخبرة القضائية في المنازعات الضريبية .
vالخبرة القضائية في قضايا نزع الملكيــــة .
المطلب الأول : الخبرة القضائية في المسائل الجزائية:
إن العديد من النزاعات الجزائية تستدعي إجراء الخبرة ، وذلك لما تتميز به من دقة وطبيعة تقنية ، حيث لايستطيع القاضي من خلال ثقافته القانونية أن يصل إلى هل هذه القضايا دون الإستعانة بأشخاص مختصين في هذه الميادين وضرورة إجراء هذه الخبرات تزيد من حجيتها وإلتزام القاضي الأخذ بها خدمة للقضاء، ولعل من أهم الخبرات في هذا المجال الطب الشرعي وكذا التزوير .
اولا : الخبرة القضائية في الطب الشرعي :
إن تطور جميع ميادين العلوم أثر كثيرا على القضاء وأوجد طرقا تساعد القاضي على توخي العدل بصورة أوضح وأسهل ، ولقد ساهمت العلوم الطبية مما شهدته من تطور واضح في مساعدة القضاء على تتبع الحقائق ، وذلك في مختلف الميادين سواء الجنائية أو المدنية .
مجالات الطب الشرعي :
إن مجالات الطب الشرعي كثيرة ومتنوعة فقد يستعين القضاء بالأطباء الشرعيين في المسائل الجنائية أو المدنية على حد سواء وذلك في العديد من الحالات والمجالات …فهدفها يتجلى في إنارة الطريق أمام العدالة لإصدار أحكام مبنية على أسس علمية وطبية ، فقد يستعين بها القضــاء في الكشف الطبــي عن المصابيــــن وبيــــان وصف الإصابـة وسببها ونوعهــا وتاريــــــخ حدوثها والآلة المستعملة في إحداثها ومـــــدى العاهةالمستديمة التي نتجت عنها .
أو في حالة تشريح جثث المتوفين لمعرفة سبب الوفاة وكيفية حدوثها ومدى علاقة الوفاة بالإصابة التي توجد بالجثة
قد تكون في حالة تحديد نوع الإصابة وسببها ودرجة العجز في حالات الضرب والجرح كما تبين حالات الإجهاض العمدية من غيرها وكذا حالة خاصة بالجرائم الجنسية كالإغتصاب وهتك العرض والفعل المخل بالحياء .
كما يستعان بالمجال الطبي في المسائل المدنية في العديد من القضايا التي يتطلب الفصل فيها إجراء خبرة قضائية ومن ذلك حالات الإختلاف بين الزوجين على وجود أو عدم وجود غشاء البكارة ليلة الدخول إذا كانت شرطا واردا في العقد أو في الحالة التي يكون فيها أحد الدفوع متعلقا بمسألة عقم الزوج أو الزوجة ، إضافة إلى حالة الحجر للسفه أو الجنون ، وكذا التقارير الطبية لتحديد العجز الدائم أو الجزئي عند إصابة أحد العمال بجروح أثناء العمل والنظر في خطورة الأمراض المهنية والإستعانة بخبير طبي لتقدير الضرر وبالتالي الحكم بالتعويض العادل .
ثانيا :الخبرة القضائية في حالات التزوير :
أســـاليب التزويــــــــر :
إن التزايد المستمر في جرائم التزوير كشف عن أنواع متعددة للتزوير سواء بالحذف أو النقصان وهي لاتخرج عن خمسة طرق :
أولها وضع إمضاءات أو أختام وبصمات مزورة كما لو وقع شخص على محرر بإمضاء أو ختم أو بصمة غير إمضائه أو ختمه وثانيها تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة الكلمات وتشمل هذه الطريقة سائر الأساليب المستعملة للتغيير المادي للمحررات بعد تمام تحريرها ، أما الثالثة منها فهي وضع أسماء وصور أشخاص مزورة موضع أشخاص آخرين أو معهم ، أما الطريقتين الرابعة والخامسة فهي التقليد أي تحرير محرر كتابة على غرار كتابة شخص آخر بهدف إيهام أنه هو من قام بالكتابة ، أما الإصطناع فهو إنشاء محرر كامل الأجزاء على غرار أصل موجود أو خلق محرر على غير مثال سابق ويصطحب في الغالب بوضع إمضاء مزور.
إثبـــــات التزويـــــر :
إن تطور وسائل وأساليب التزوير عرف بالمقابل تطور كبير لوسائل الكشف وفضح التزوير وبالأخص ما يتعلق منها بالطرق التحليل الكيميائي للحبر والورق والفحص المجهري بالعدسة المكبرة للبحث عن آثار التغيير والكشط والمحو والتصوير الفوتوغرافي بتقنياته المختلفة من بينها الأشعة فوق البنفسجية ويمكن أيضا أن يفضح التزوير بملاحظة خفية مثل شكل الرقعة الملونة ووجود مسافات غير ملونة بمثابة طيات مثل التلوين المفتعل ودراسة حواف الأوراق الملحقة وفحصها تحت المجهر بالأشعة فوق البنفسجية بواسطة إختبارات كيميائية، أما عن تزوير الإمضاءات فهو شائع بوجه خاص في الصكوك البنكية ويفضح تزويرها بالكشف عن بقايا الفحص في حالة النقل بالورق الشفاف
المطلب الثاني : الخبرة في المواد المدنية :
إن تنوع النزاعات الناشئة حول المسائل المدنية من عقود وإرتفاق وحق في الإيجار وحقوق الملكية والتعويضات المادية وغيرها من النزاعات تستدعي في غالب الأحيان اللجوء إلى أهل الخبرة ، وذلك لما تتميز به من أمور فنية وتقنية لاتتوفر عند القاضي ، ولعل أهم الخبرات في هذا المجال تلك المتعلقة بالنزاعات العقارية وكذا الأضرار المادية لحوادث المرور وهذا لأهميتهما الكبيرة وطلب إنجازهما بإستمرار من قبل القضاء .
الخبرة في النزاعات العقارية :
فالنزاعات العقارية تتنوع وتختلف فمنها ما يتعلق بالتعدي على الملكية العقارية ومنها ما يتعلق بدعاوي الحيازة ونزاعات أخرى تتمثل في الخروج من الشياع ومسائل الملكية المشتركــــــــة ضف إلى ذلك النزاعات التاليــــة : حقوق الإرتفاق – الحقوق العينية التبعية – الإلتصاق - الشفعة … وإلى غيرذالك من النزاعات .
إن تشعب هذه النزاعات العقارية من جهة وتشتت القوانين التي تحكمها من جهة أخرى أضفى على هذه المنازاعات تعقيدا جعل معه القاضي العقاري يجد صعوبة كبيرة في فض مثل هذه النزاعات وصعوبة الوصول إلى الحل الأنسب والأدق الأمر الذي أدى إلى اللجوء إلى أهل المعرفة والخبرة أمر ضروري ووجوبي في بعض الحالات قصد تمكينه من معرفة جوهر النزاع بكل تفاصيله ومساعدته على الوصول إلى الحل الصحيح العادل .
فالقاضي العقاري وأثناء نظره لمختلف النزاعات العقارية المعروضة عليه فإنه عادة ما يكلف الخبراء بالقيام بالمهام التالية:
- وضع المخططات الطبوغرافية لسطح الأملاك العقارية وتحديدها ووضع معالم حدودها وتحديد موقعها وأصل ملكيتها .
- وضع المخططات الطبوغرافية والوثائق التقنية الملحقة بالعقود الرسمية الناقلة للملكية العقارية ولحقوق الإرتفاق .
- القيام بالتحريات العقارية المرتبطة بعمليات نزع الملكية للمنفعة العامة وتحرير مخطط جزئي بذلك .
القيام بجميع الدراسات والرسوم الطبوغرافية المتعلقة بأشغال التهيئة العقارية من تجزئة الآراضي وتقسيمها وضمها .
تقييم الأملاك العقارية بتحديد قيمتها التجارية والإيجارية .
القيام بإنجاز مشاريع قسمة بين الورثة حسب الفريضة الشرعية وتحديد نصيب كل وارث وقسمة المخلفات والمنابات عينا وإن تعذر ذلك فنقدا .
حصر المخلفات العقارية والمنقولة وذكر سندات ملكية العقارات وتحديد طبيعتها القانونية .
- إجراء مشروع قسمة بين الشركاء وتحديد وفرز نصيب كل شريك مساحة وحدودا وموقعا حسب العقود الرسمية المقدمة .
-
الخبرة القضائية في الأضرار المادية لحوادث المرور :
لقد كثرت حوادث المرور المادية والجسمانية على حد سواء وكثرت معها المنازعات أمام الجهات القضائية ، بحيث يلجأ المتضرر عادة إلى ساحة القضاء بعد أن فشلت المساعي الودية لحصوله على مبلغ التعويض ،فيلجأ إلى القضاء ملتمسا تعويضه ، وعلى إعتبار أن هذه من المسائل الفنية تستدعي تدخل أهل المعرفة والفن فإنه يستعان بخبراء السيارات لمعرفتهم النظرية والتطبيقية وتجربتهم المهنية ودرايتهم بمختلف النصوص القانونية التي تحكم هذا المجال ، وهذا من أجل تقويم الأضرار المادية وتوضيح وقائع الحادث بشكل مفصل ودقيق .
فاللجوء إلى الخبير في مثل هذه المسائل أمر وجوبي وضروري وهذا ما نصت عليه المادة 21 من الأمر 74-15 المعدل والمتمم بالقانون رقم 88-31 والمتعلق بإلزامية التأمين على السيارات وبنظام التعويض عن حوادث المرور، إذ جاء فيها :" لايجوز تسديد أي ضرر مادي مسبب لمركبة إذا لم تكن المركبة المتضررة موضع خبرة مسبقة ."
فعلى الخبير المسخر من طرف القضاء تقديم رأيه التقني وكل المعلومات الكافية والمطلوبة لإيضاح وإنارة الطريق أمام القاضي ليستدل بها:" فلا يجب عليه تقديم ملاحظات ذات طابع قانوني أو يصلح بين المتخاصمين أو إستجواب الخصوم إلا بإذن من القضاء ، فالخبير وتنفيذ المهمة الموكلة إليه يقوم بمعاينة السيارة وتحديد الأضرار المادية وكذا نقطة الصدمة أي من الخلف أو الأمام أو أنها جانبية وكذا درجة الصدمة ( قوية- ضعيفة ) ، وتحديد نسبة التعويض مع مراعاة تسعيرات قطع الغيار وفقا لنوعية السيارة وتاريخ صنعها
وتظهر أهمية الخبرة في مجال حوادث المرور إلى الإستعانة بخبير السيارات من أجل تحديد الأجزاء المتضررة وتحديد مبالغ التعويضات وفقا لتسعيرات قطع الغيار إضافة إلى تكاليف التصليح فعادة ما تعرض السيارة المتضررة على الخبير المعتمد لدى شركات التأمين والذي يحدد بدوره الأضرار المادية التي أصابت السيارة جراء الحادث وتحديد قيمتها نقدا .
المطلب الثالث : الخبرة القضائية في المواد الإدارية :
إن تنوع المنازعات الإدارية جعلها تطرح عدة موضوعات أمام القاضي الإداري فمنها على الخصوص المنازعات الضريبية وكذلك نزع الملكية للمنفعة العامة ، فهاتين المسألتين وغيرها من المسائل تستدعي لفضها اللجوء إلى أهل الخبرة والمعرفة وهذا من أجل الوصول إلى الحل الأنجع .
اولا :الخبـــرة في المنـــــازعات الضريبيــــــة :
إجراءات الخبرة في المنازعات الضريبية :
تمثل الخبرة إحدى الإجراءات الرئيسية للتحقيق في المنازعات الضريبية الذي يأمر بها القضاء الإداري سواء كان ذلك تلقائيا أو بناء على طلب أحد أطراف الخصومة الإدارية أو المكلف بالضريبة أو كليهما معا ، وفي الحالة التي يقرر فيها القضاء الإداري إجراء الخبرة فإنها تقوم بتحديد مهمة الخبير أو الخبراء حسب الحالة وتبين لهم المهام المراد القيام بها والمدة اللازمة لإيداع تقاريرهم لدى أمانة الضبط .وهذا ما نصت عليه المادة 86/1 من قانون الإجراءات الجبائية أي المادة 341 من قانون الضرائب المباشرة سابقا على أنه :" يمكن أن تأمر المحكمة الإدارية بالخبرة وذلك إما تلقائيا وإما بناء على طلب من المكلف بالضريبة أو مدير الضرائب ويحدد الحكم القاضي بهذا الإجراء الخاص بالتحقيق مهمة الخبراء ."
فالخبير يعين من طرف الجهة القضائية بعدما كان قبل تعديل 1992 تسير الخبرة من طرف أحد أعوان أحد الضرائب المباشرة ولعل هذا التعديل جاء للقضاء على كل شك بخصوص إستقلال الخبير عند تنفيذ المهمة المسندة إليه من السلطة القضائية فهو المخول بالتالي قانونا بتسيير الخبرة وتحديد اليوم وساعة بدء العمليات وإخطار الطرفين ، كما إنه إستثناءا يمكن للمحكمة الإدارية أن تسند هذه المهمة إلى ثلاث خبراء ، خبير تعينه المحكمة الإدارية وخبير يعينه المكلف بالضريبة وآخر تعينه الإدارة ومهمة الخبير هذه كقاعدة عامة لايمكن إسنادها إلى أحد الطرفين الذين شاركوا في إعداد الضريبة المتنازع فيها كما أنه لايمكن أن يعين كخبير كل من أدلى برأيه في القضية .
يتوجه الخبير أو الخبراء حسب الحالة إلى مكان إجراء الخبرة بعد إخطار الأطراف بساعة ويوم إجرائها وذلك بحضور ممثل الإدارة الضريبية وكذا الشاكي أو ممثله وعند الإقتضاء رئيس لجنة الدائرة للطعن ، وبعد إنجازهم للمهام المسندة إليهم بموجب قرار المحكمة الإدارية ، يتم تحرير محضر من طرف عون الإدارة يتضمن رأيه ، ويحرر الخبراء إما تقريرا مشتركا وإما تقريرا مستقلا وهذا وفقا للمادة 86 قانون الاجراءات الجبائية ثم يودع المحضر وتقارير الخبراء لدى أمانة ضبط المحكمة الإدارية .
وتجدر الإشارة على القاضي الإداري تحديد مهام الخبير تحديدا دقيقا ومنها على الخصوص :
- تحديد الضريبة الواجب دفعها .
- تحديد الرسوم على القيمة المضافة المترتبة على نشاط تجاري ما .
- الإطلاع على مختلف المستندات المحاسبية .
- تحديد رقم الأعمال الخاصة بسنة معينــة .
- تحديد الضريبة والرسوم المستحقة الأداء لفترة معينة لفائدة الإدارة .
الفـرع الثاني : أهميـة الخبرة في المنازعات الضريبية :
إن الأهمية العملية لدراسة المنازعات الضريبية راجع إلى التطور السريع الطارئ على مختلف القوانين فمنذ دخول الخبرة في الجزائر إقتصاد السوق والمشرع يحاول مسايرة تلك التحولات الطارئة في المجال الإقتصادي وذلك بتعديله لنصوص وبسنة لأخرى مما أدى إلى عدم الإلمام بهذه النصوص والإطلاع على محتوياتها من طرف الموظفين والمكلفين بالضريبة من جهة ومن جهة أخرى غموض البعض من هذه القواعد القانونية والتي تحتاج إلى شرح وتوضيح بواسطة تعليمات ومذكرات مما أدى إلى ظهور إختلافات في التطبيق من مديرية إلى أخرى في فرض الضريبة ، الأمر الذي جعل النزاعات الضريبية تكثر وتتشعب وزادت الحاجة إلى الخبرة في هذا المجال وهذا لإبراز مختلف النقاط الدقيقة التي تقوم عليها الضريبة وهذا من أجل مساعدة وتمكين القضاة من إتخاذ الموقف الصائب ، خاصة لما يتوافر عليه هذا الميدان من تقنيات عالية في المحاسبة تستدعي تدخل ذوي الخبرة والكفاءات العالية في هذا المجال .
ثانيا : الخبـرة في قضايا نزع الملكيــة :
قصد تحقيق الإدارة لمهامها وإشباع حاجات المنفعة العامة قد يحدث أن تلجأ إلى طرق جبرية للحصول على الأموال ، إلا أنها غير مؤهلة للإستيلاء على أموال الأفراد خارج نطاق المنفعة العمومية وإلا تكون قد إرتكبت خطأ جسيما تترتب عليه المسؤولية الإدارية .
ونظرا لدرجة الخطر الذي يشكله إجراء نزع الملكية على الحقوق الفردية بوجه عام وعلى حق الملكية بوجه خاص والناتج عن الصلاحيات الواسعة المخولة للسلطة الإدارية في هذا الشأن فمهمة القاضي قد تصبح جد معقدة حيث يطلب منه مراعاة حقوق الأفراد وإحترام صلاحيات السلطة الإدارية
إن مجالات الخبرة القضائية في منازعات نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية عديدة ومختلفـــة إلا أنها غالبــــــا ما تكون في قضايا التعويض لكونها تحدد من جانب واحد أي من مديرية أملاك الدولة ، فيلجأ المواطن أمام العدالة من أجل تعويضه عن نزع ملكيته تعويضا عادلا ومنصفا حسب أسعار السوق ، وهذا الأمر يقتضي الإستعانة بأهل الخبرة لكون القاضي غير مختص في هذا المجال ضف إلى ذلك عدم تلقيه تكوينا خاصا بتقنيات التقييم العقاري، السبب الذي يجعل القاضي يقوم بتكليف أحد الخبراء العقاريين بتقييم الأملاك المنزوعة والحقوق المطلوب نزعها وذلك حسب المقاييس المعمول بها
خاتمة
اذا كان القاضي هو الأعلم بتخصصه ومادته وهو الخبير الأكبر إذا تعلق الأمر بمسائل قانونية ، إلا أن المشرع أعطى له سلطة اللجوء إلى أهل المعرفة والخبرة الفنية إذا تعلق الأمر بمسائل علمية وفنية إعترضته في مجال عمله ، مما يؤكد دور الخبرة في تحقيق العدالة في العصر الحديث، ولذا يتوجب على القاضي الإعتراف بها وإن كانت تحت سلطته التقديرية إن إقتنع بها إعتمدها وإلا أزاحها عن طريقه إلا أنه هناك من الأمور والمجالات التي أصبحت تخرج عن سلطة القاضي التقديرية وأصبح قول الخبير فيها دليلا علميا قاطعا لايمكن منازعته فيها كالتزوير ، الطب الشرعي المحاسبة …
فلقد إزدادت أهمية الخبرة ودورها في القضاء لإنارة سبيل القاضي على ألا يحيد عن روح القانون يوما بعد يوم ، وذلك في ظل النهضة العلمية وعصر الإكتشافات التكنولوجية وأخذت تستقطب نظر المؤتمرات الدولية والتي تعرض الكثير منها إلى هذه الأخيرة للدراسة والتمحيص .
وتجدر بنا الإشارة إلى أن الخبرة ما هي إلا مرآة يستعين بها القاضي ليعكس ويكشف عن الحقيقة إلى جانب غيرها من الوسائل التي يستعين بها لتحقيق العدالة في أجمل صورها . وينبغي أن لا ننسى أن المشرع الجزائري وعلى غرار غيره من المشرعين اولى إهتماما بالغا لهذه الإستشارة الفنية وحفظ حقوق وأتعاب القائمين بها ، إلا أن هذا الإهتمام يبقى ضئيلا مقارنة بما وصلت إليه الدول الغربية ، مما يؤكد أن التشريع الجزائري وإن كان يسعى جاهدا إلى الكمال إلا أنه لم يستنفذ كامل الجهود لإعطاء الوجه الأمثل والدور البارز الذي تلعبه الخبرة القضائية ، خاصة وأنها صورة واضحة على مقدار التطور العلمي .
ومن خلال ما سبق ذكره فقد توصلنا إلى العديد من النتائج والملاحظات التي لابد من إبرازها والمتمثلة في :
- وجوب تعيين خبير في مجالات محددة إذا نص القانون صراحة على ذلك أو في القضايا التي لايمكن الفصل فيها دون إجراء خبرة .
- عدم إلزامية تقرير الخبرة بالنسبة للقاضي كمبدأ عام ، إلا أنه إستثناءا وفي بعض النزاعات تكون الخبرة هي السبيل الوحيد في الإثبات ومنه يكون القاضي مجبرا على الأمر بإنجازها والأخذ بنتيجتها ، ولاحجة له في إستبعادها.
- على الخبير أن يخضع أثناء تعيينه إلى عدة إجراءات أهمها أداء اليمين ، حيث يصبح محل ثقة وإئتمان ةوهذا ما يبرزه دوره ويجعله أساسيا في الدعوى ومكملا لدور القاضي .
- إن مسؤولية الخبير عن أعماله وأخطائه المهنية قد تعرضه إلى الشطب من قائمة الخبراء أو التعويض المادي دون الإخلال بالمتابعات الجزائية ، هذا ما يجعله حريصا على القيام بتقاريره بكل نزاهة ويوليها العناية اللازمة حتى تكون كاملة ومستوفية لكل الشروط حتى تكون دليلا صحيحا ومصدرا موثوقا لما تتضمنه من نتائج .
- إجراء دورات تكوينية للخبراء و للسادة القضاة لمسايرة التطورات العلمية .
وأخيرا نتمنى أننا قد وفقنا في معالجة هذا الموضوع بهذا العرض المتواضع ، وتمكنا من إثارة بعض الجوانب الهامة والمحاور الرئيسية فيه ، ونرجوا أن تستمر الدراسات في هذا الموضوع وذلك لما تتميز به الخبرة من خصائص ومميزات ولتعدد مجالاتها .
تم بعون الله